الأربعاء، ٢ يونيو ٢٠١٠

*** خواطر في دفتر النكسه (43)

كلما حلت ذكري هزيمة يونيه 67 ترن في اذني كلمات الأديب الراحل عباس العقاد- معلقا علي كلمات جمال عبد الناصر في خطاب المنشيه الشهير " ....فقد وضعت فيكم الكرامه ، فقد أنبت في هذا الوطن الحرية والعزة والكرامه"- فقد قال العقاد تعليقا علي هذه الكلمات " إن شعبا يسمع مثل هذه العبارات ولا يثور ولا يشنقه في مكانه لشعب يستحق أن يحكمه ويدوسه بالنعال مثل هذا الرجل ".
تولي عبد الناصر الحكم بعد عزل محمد نجيب في فبراير 54 تم قال كلماته هذه بعد ثمان شهور في خطاب حادثة المنشيه في هذه الفترة التي لا تذكر في عمر التاريخ زرع فينا الكرامه بعد ان كنا بلا كرامه وانبت فينا الحرية والعزة والكرامة التي جنينا ثمارها الناضجه هزيمه مره في 67.
****
في ذلك اليوم الاسود من تاريخنا اعود بالذكريات حيث كنت ايامها صبي في الحادي عشر من عمره صحونا من نومنا علي حاله من الفرحة الغامره والتهليل وأنشودة "امجاد يا عرب امجاد" تجلجل ثم ينبأنا المذيع اللآمع / احمد سعيد بسقوط المئات من طائرات العدو الأسرائيلي وكأن الجيش المصري يطلق نيرانه علي اسراب حمام لا اسراب طائرات لم نفكر ونحن صغار في تناول الأفطار أو غيره ولكننا هرعنا مع الكبار الي مبني مجلس المدينه حيث كانت مكبرات صوت قدعلقت في الأشجار خارج المبني لتذيع بيانات احمد سعيد التي لم نكن نعلم انها علي طريقة ابو لمعه (الفنان المصري المشهور بدور الفشار) وربما يكون الصحاف وزير الاعلام الصدامي امتداد له أو احد احفاده....كنا لانشك لحظه في صدق هذه البيانات فقد كنا ونحن في هذا العمر نري عبد الناصر اسطوره وبطل فوق العاده حتي اننا كنا نقول لبعضنا البعض علي سبيل التحدي " من الذي يستطيع أن يهدم هذا الجبل بإصبعه ؟ أو من الذي يستطيع ان يوقف هذه الطائره في السماء بأًصبعه ؟ فكان يرد احدنا بفخر جمال عبد الناصر...كانت هناك صور مرسومه علي الجدران لجندي مصري عائد من الجبهه ويحمل في كل اصبع من اصابع يده مظله يتدلي منها جندي اسرائيلي.... اخذنا المناديل القماش وربطناها من اطرفها الأربع بالدوبار ثم ربطناها في ثقل واخذنا نقذفها الي اعلي فتهوي فينفخ الهواء المنديل فيصبح الشكل كما لو انه مظله والثقل هو الجندي كنا ننتظر بيانا من احمد سعيد باستسلام اسرائيل أوبإلقائها في البحر او بدخول جيوشنا الي تل ابيب علي نغمات أضرب لجل الصغار... اضرب لجل الكبار...كان جيلنا يعرف طريق القراءة اكثر بكثير من هذه الأجيال وكان يسكن بحينا طالب الثانوي/ شاكر عبد الحميد وقتها والأستاذ الدكتور ورئيس اكادمية الفنون الحالي كان يعشق القراءة حتي اننا كنا لا نراه يفعل غيرها وكان يحببنا في القراء وينشر هذه الفضيله بين أبناء الحي وقرأنا بفضله كل ما كتب عن الثوره من ادبيات وكنا نتباري في تسميعها وإذا اضفنا الي ذلك ماكان يدرس لنا من اننا نعيش في الجنه وان عبد الناصر هو مبعوث العناية الاهيه ، تعرف مدي الضلال الذي كنا نعيشه ...كانت الأغاني الحماسية تصم الأذان كنا نرددها خلف ام كلثوم وعبد الحليم والمجموعه تحولت ساحه مجلس المدينه الي ملعبنا لكننا كنا نري قبل أن ينتهي اليوم الأول اشياء علي وجوه الكبار لا نستطيع تفسيرها ، بيانات احمد سعيد لم تختلف لهجتها وكأن الطائرات الأسرائيليه لم تنفد بدأت اصابع الكبار تدير مؤشرات الراديو الي صوت الأذاعة البريطانيه يا للهول ضربة طائراتنا في مرابطها وشل سلاح الطيران مع ساعات الحرب الأولي انسحاب فوضوي مريع دون تخطيط أو تغطيه للجنود... الجنود والذين نجوا من القتل بدم بارد يموتون عطشا وقد ضلوا طريقهم في جزء من بلدهم سيناء... بعض البدو يستولون علي اسلحتهم بكسرة خبز أو جرعة ماء والبعض الآخر يأويهم ويساعدهم في العوده الي الوطن بعد أن اصبحت سيناء ليست جزء من الوطن...ضاعت سيناء والضفه وغزه والجولان ....القائد الملهم يلقي خطابه يعترف بالهزيمه ويتحمل المسئوليه ويعلن تنحيه الشعب المصري يخرج في كل قريه ومدينه يطالبه بالبقاء يا للكارثه اضاع الأرض والعرض... مرمغ الكرامة والعزة - التي علمها لنا وانبتها فينا ولم نكن نعرفها يوما ما من قبله - في الوحل تم نطالبه بالبقاء....صدقت يا عقاد " ان شعبا يسمع هذه العبارات ولا يثور ولا يشنقه في مكانه لشعب يستحق ان يحكمه ويدوسه بالنعال مثل هذا الرجل"..... عدل عبد الناصر عن استقالته فخرجت اسرائيل بعدوله عن قرار التنحي رقص اعضاء مجلس الأمه في قاعة المجلس فكان هذا هو استجوابهم للحكومه عن اسباب هذه الهزيمة النكراء وتحررت الأرض وعادت سيناء مصريه وعاد الشهداء ليكملوا المسيرة "وابنك يقولك يابطل هات الانتصار"....هجرنا مقر منظمة الشباب الذي كان يحلوا لنا أن نستمع فيه الي دروس التي يلقيها شباب الجامعات عن الأشتراكية والقوميه العربيه والقائد الملهم الذي غزا اليمن ب55 الف جندي من خيرة الجنود واكثرهم خبره وتدريب قتل منهم حسب التقديرات المصريه 15 الف جندي ونزيف اقتصادي بقيمة نصف مليون دولار بأسعار الستينيات هي تكلفة العمليات اليوميه في الوقت الذي تتربص به اسرائيل بمصر والأمة العربيه ...و" ابنك يقولك يا بطل ثورتك عارفه الطريق وعارفه مين يابا العدو ومين الصديق" ...فقد الكثيرمن الواعين بحقائق الأمور الثقة في كل شئ وفي المقدمة الأعلام اخذت الأصابع تحرك مؤشرات الراديو الي اذاعة العدو اصبح برنامج (حديث لعمي حمدان) ذو جماهيريه واسعه فقد كان يتناول كل ما يدور في الشارع المصري في كل حي وحاره يخبرك عن المشاكل اليوميه بتفاصيلها الدقيقه التي تعاني منها كمواطن وكأنه يعيش معك....حتي انتشرت شائعه في كل محافظه تقول ان العم حمدان من ابناءها وهو عميل خائن هرب الي اسرائيل ....اختلطت الحقيقه بالخرافه حتي الأستاذ /لمعي موظف الصحه المخلص الذي كان يخدم كل اهالي الحي قالوا عنه انه يملك جهاز لا سلكي يرسل به الأخبار لأسرائيل....فعلا شعب مثل هذا يستحق ان يضرب بالنعال...ترك القائد الملهم الذي جلب لنا العار والهزيمة والصقها بالعم حمدان والاستاذ لمعي....لقد صدق العقاد وصدق ايضا صاحب النكتة الشهيرة التي تصف الشعب المصري برجل قالوا له إن زوجتك تخونك مع محمود الكهربائي فأقسم ايمانا مغلظه ان محمود هذا لا كهربائي ولا يفهم في الكهرباء.

*****
شاهدوا معنا الكرامة والعزة المهدره والتي علمنا اياها عبد الناصر ولم نكن نعرفها من قبل