الاثنين، ١١ أغسطس ٢٠٠٨

نحن هنا فقط لنواجه الشعب بحقيقته







هذا هو المقال الذي نشرته المصري اليوم والذي يتناول فيه الكاتب بعض الحقائق والثوابت في الشخصية المصرية ونحن نقول له اقرأ
مدونتنا لتعرف اننا نواجه الشعب بحقيقته التي يتعامي عنها الكثير من المثقفين والساسة والنخب.

في هجاء الجمهور بقلم ياسر عبد العزيز ١٠/٨/٢٠٠٨

في واقعنا المحتشد بالمحاذير، والمكتظ بالخطوط الحمراء، يبرز الجمهور كصاحب أكبر أثر، وأمضي نفوذ، وأعتي سلطة، مكرساً ديكتاتوريته، وفارضاً ذوقه وأسلوبه، علي الكبير والصغير، والمثقف والجاهل، والفارغ التافه وذي المكانة والاعتبار.
يلعب الجمهور لعبة سخيفة مكرورة مبتذلة؛ إذ يقدم نفسه علي أنه «حامي القيم»، و«مخزن الولاء»، و«المدافع عن الثوابت»، و«مستودع القيمة»، والواقع أنه علي العكس من ذلك تماماً؛ وإن حمي، فقيم الابتذال والتدني، وإن أعلي الولاء، فولاءً شكلياً مظهرياً غير منتج أو مُكلف، وإن دافع عن ثوابت، فبديماجوجية وغوغائية ومصلحية منتهزة، وإن حرس القيم، فبدافع المظهرية، وللتغطية علي نواقصه واختلالاته.
من يعلق الجرس؟ من يواجه الجمهور بحقيقته، معتمداً علي الله، ومحتملاً، بصبر، الاستهداف والأذي؟ لا أحد يرغب في المخاطرة وتحمل التكاليف المريرة.

من الذي يشاهد كليبات العري علي الفضائيات الهابطة، ويدفع للراقصات والشواذ لإحياء أفراح أولاد الناس وبنات الأسر، وينصر «محمد سعد» علي «محمود مرسي»، ويتصل ليلاً نهاراً ببرامج المسابقات والفتاوي الدينية، ويرتاد المواقع الإباحية علي شبكة الإنترنت، ويرتدي غطاء الرأس والـ «بدي» و«الاسترتش» في آن؟ إنه أنت.
هل سألت نفسك مرة: ما أكثر الأفلام تحقيقاً للإيرادات في تاريخ السينما المصرية؟ وما أعلي الممثلين أجراً؟ ومن أكثرهم اشتراكاً في الأعمال الفنية وتحقيقاً للجماهيرية؟ الإجابات واضحة، وستفضح ذوقك وستقودنا إلي حقيقتك، مهما تحدثت عن عبقرية عاطف الطيب وصلاح أبو سيف أو زكي رستم، فأرقام الإيرادات مسجلة شاهداً علي التوائك وكذب ادعاءاتك.
لماذا أصبح «شعبان عبد الرحيم» ظاهرة، مستمتعاً بالثراء والمجد؟ ولماذا يجني «سعد الصغير» تلك الأرباح المهولة؟ وكيف تهيمن زمرة من بلهاء علي معظم صناعة السينما المصرية اليوم، إلا بسبب انحراف ذوق الجمهور وابتذاله.
الكثير من المواقع الإلكترونية المشهورة يوفر آلية يمكن من خلالها التعرف إلي أكثر الموضوعات قراءة، وطباعة، وحفظاً، وإرسالاً بالبريد الإلكتروني، وإثارة للتعليقات، هل حاولت مرة أن تقف أمام نتائج هذه الإحصائيات، وأن تحللها للاقتراب من مزاج الجمهور ومحاولة فهمه؟
من الممكن أن نلخص الإجابة ببساطة شديدة: «شيخ دين يضاجع عاهرة في قصر رئاسي»؛ تلك هي التيمة الرابحة، والأكثر تعرضاً للقراءة، والطبع، والإرسال بالبريد الإلكتروني، والحفظ، والأكثر إثارة للتعقيبات في أي موقع من مواقعنا الإلكترونية.
«مصدر أمني يؤكد أن قاتل الفنانة سوزان تميم مثّل بجثتها»، «محاكمة سيدة أعمال بريطانية بدبي ضبطت تمارس الجنس علي الشاطئ»، «شيخ قطري يشحن سيارة لامبرجيني جواً إلي لندن لتبديل زيتها»، «عائلة يوسف شاهين تنفي شائعة عن إسلامه سراً قبل وفاته».
تلك هي التيمة الرائجة كما تري: «شيخ دين يضاجع عاهرة في قصر رئاسي»؛ جنس بمعناه المبتذل، في إطار محرم مختلس، يسعدك أن تطلع عليه فاضحاً آخرين، وساتراً فضائحك أو خيباتك علي حسب الحال.
ودين بمعناه الشعبوي والديماجوجي، مستهدفاً إثارة العصبية والاستعلاء الفارغين، ومدعياً الطهارة الزائفة والتقوي الشكلية، ومبتعداً عن كل أصل وجوهر للدين نبيل وفعّال وناظم لحياة الناس ومهذب لأرواحهم. وسياسة بمعناها الفج السطحي العارض؛ إذ يركز علي الصدام لا التقابل، والنزاع لا التحاور، والتقارع بالعصبية والأيديولوجيا لا التحاور بالحجج والأفكار.
الأنكي من ذلك والأكثر مدعاة للقلق، أن الجمهور عندما أتاحت له التكنولوجيا الحديثة فرصة امتلاك «وسائل إعلامه الخاصة»؛ سواء عبر إطلاق المدونات علي شبكة الإنترنت، أو تطوير الصحيفة الإلكترونية والمحطة التليفزيونية المستقلة علي الموبايل، لم يبرهن علي رشد في الاختيارات، أو رفعة في الذوق، أو انتصار لمبادئ الإبداع والجودة والقيمة.
فليس مطلوباً منك سوي أن تراجع اختياراتك للمحطات الإذاعية والتليفزيونية، والبرامج التي تحرص علي مشاهدتها فعلاً، والأفلام التي تشتريها أو تذهب إليها في السينما، والصحف والمجلات التي تحرص علي اقتنائها، والكتب التي تشتريها، والمطربين الذين تستمع إليهم أنت ومن حولك، لتعرف عن أي جمهور نتحدث.
ليس مطلوباً منك سوي أن تنظر إلي قائمة المواقع التي دخلت إليها علي شبكة الإنترنت في اليومين الفائتين، ثم حدد أي العناوين قرأت، وأي الصور شاهدت، ثم افحص هاتفك المحمول، وتفقد الأفلام والكليبات التي تحتفظ بها عليه إن وجدت.
بعد ذلك حاول أن تفعل الشيء نفسه مع أصدقاء أو أقارب أو زملاء ومعارف، وأخبرني بالنتيجة، ستجد أننا «نعيب زماننا والعيب فينا»، وأن إعلامك الذي تختاره وتروج له وتدفع فيه أموالك أسوأ وأضل سبيلاً من إعلامنا الذي تنتقده ليلاً ونهاراً.