الاثنين، ١٣ أكتوبر ٢٠٠٨

حرة مستقلة " قصة قصيرة"



ساقته قدماه بخطي متثاقلة خارج بوابة المدرسة وكلمات المدير مازالت تصم أذنيه حادة وقاطعة بعد العديد من المحاولات المضنية "لا يوجد مكان خالي بالمدرسة حتى لو كان أبن الوزير" ....لا يدري كم مر عليه من الوقت متسكعا في شوارع وطرقات المدينة تتقاذفه الأفكار والخيالات وتتزاحم في عقله العشرات من علامات الاستفهام والتعجب.....ماذا يفعل في تحويل أبنائه إلي المدارس الحكومية ؟! ماذا يفعل بتلك الآلاف التي ألقاها في وجهه العم سام وهو يطرده من المصنع في ظل هوجة الخصخصة ؟! هل يساوي ذلك الصرح العظيم الذي بني بعرق وجهد شباب مصر وشيوخها تلك المليارات الثلاثة التي ألقاها العم سام في خزانة الدولة ؟! ما هو مستقبل الآلاف من مشردي الخصخصة في ظل أزمة البطالة الخانقة ..أفاق عند مدخل الشارع المؤدي إلي مسكنه علي صوت "شومه" المخبر فلا صوت يعلو علي صوته في الشارع وها هو يرفع عقيرته محذرا كل من تسول له نفسه أن يعترض علي استغلاله الرصيف في أعماله التجارية من المصير المجهول ...ظل علي خطاه الوئيدة متجها نحو "شومه" رغم علمه بأنه يعمل مخبرا بأمن الدولة ومع "الجزار باشا" والمدينة كلها تعرف من هو" الجزار باشا" ...راودته نفسه بأن يطرحه أرضا وينهال عليه ضربا بالحذاء لكنه سرعان ما تذكر قانون الطوارئ أو الطوارق كما يقول عمي خليل المكوجي..أكتفي بأن يلقي عليه نظرة احتقار غاضبة فهناك ما هو أهم من مقاومة السلطات أثناء تأدية عملها فلينتبه إلي ترتيب بيته من الداخل في ظل ما طرأ من مستجدات...طرق باب شقته ألقي بجسده المتعب علي أقرب مقعد ودون قصد تحسست يده سماعة الهاتف الملقي بجواره ..مرت بخاطره فكرة شيطانية استوحاها من استغلال شومه لسلطاته... استوقفها للحظات وسرعان ما أقتنصها ...رفع سماعة الهاتف ...أدار القرص ..كان مدير المدرسة علي الطرف الآخر ..تحدث إليه بصوت أجش طالبا منه أن ينتظر علي الخط لأن " الجزار باشا" سوف يكلمه ..استبد القلق بالمدير خلال الثواني الثقيلة حتى جاءه صوت حاد كالنصل سريع كطلقات الرصاص .."انتوا إيه حكايتكم إحنا مش فاضيين للعب العيال ده أنا لما أبعت واحد من رجالتي عشان أبنه يتقبل في المدرسة لازم يتقبل " ..رد المدير متلعثما وهو يقف وكأنه تلميذ أمام أستاذه " يا سعادة الباشا حضرتك لم ترسل معه كارتا أو خطابا"..هنا ثارت ثائرة الباشا وعلا صوته كالرعد" انت ناقص تقوللي تعال معاه"..وقبل أن يكمل قاطعه المدير خائرا"خلاص خلاص يا باشا أبعته وكله يبقي تمام"..أنتفض المدير علي صوت السماعة تقفل بشدة علي الطرف الآخر الذي لم يتمالك نفسه من الضحك لأنه شعر بأنه قد أدي دوره بدرجة فائق ...التقط الأوراق الملقاة بجواره علي المقعد وأنطلق إلي المدرسة..في غرفة المدير كان الوجه غير الوجه واللقاء غير اللقاء وكرم الضيافة غير مسبوق وسكرتير المدرسة ينهي له الإجراءات المطلوبة وهو جالس يرتشف القهوة واضعا ساق فوق الأخري وما أن هم بالانصراف حتى دس المدير ورقة في يده مخبرا إياه أن الولد يمكن أن يستلم بها الكتب دون مصاريف مع خالص تحياتي للباشا...ودعه الجميع حتى بوابة المدرسة ..سار منتشيا وكأنه قائد يزهو بنصره ولسان حاله يردد " عاشت الطوارئ حرة مستقلة