الأربعاء، ١٧ يونيو ٢٠٠٩

*** بين تسييس الصوفية وتصويف السياسة


في البداية أود أن اوضح أنني في مقالي هذا أرصد ملا حظات وأنقل من التاريخ القريب والبعيد ولا أهاجم الصوفية أو غيرها لأنني أري أن كل جماعة لو فهمت الاسلام الفهم الصحيح لقدمت خدمات جليلة له وللأمة الإسلامية والعالم أجمع حتي ولومن وجهة النظرة الاوحادية التي تتحرك منه خلالها لا من شمولية الاسلام.

فمنذ فترة ليست بالوجيزة تحمل لنا الصحف أخبارا عن صراعات داخل المجلس الأعلي للطرق الصوفية منذ رحيل الشيخ احمد كامل ياسين شيخ مشايخ الطرق الصوفية فقد تم تفويض الشيخ محمد علاء ابو العزايم لشغل الفراغ باعتباره الأكبر سنا لحين اجراء الانتخابات ولم تمضي ايام حتي فوجئ ابو العزايم بأنتخاب الشيخ عبد الهادي القصبجي والذي ينتمي للحزب الوطني وممثله في مجلس الشوري بدلا منه - ومن المعروف أن رجل الاعمال وامين التنظيم بالحزب الوطني احمد عز صهر الراحل احمد كامل ياسين - ومن يومها وبدأت العواصف تجتاح البيت الصوفي وودع البيت الصوفي هدوئه وتحولت جلسات الود وتقبيل اللحي الي صراعات وخلافات في اروقة المحاكم حتي وصل الأمر الي طلب بعضهم فرض الحراسة علي المجلس ليدخل في نفق النقابات المهنية المظلم ...فهل ما حدث ويحدث مصادفة ؟ أم انه عبث الحزب الوطني ولجنة السياسات الذي يمارس داخل الاحزاب والنقابات والاندية ؟ وربما يمارس يوما ما داخل الأسروالعائلات .

فالصوفية دائما وعلي مر العصور في سنين عسل مع السلطة فهم لا يمارسون السياسة والانظمة تتركهم يمارسون طقوسهم ولا احد ينكر ان لبعض الطرق الصوفية في الماضي الفضل في دخول الاسلام في العديد من القارات لكن في المقابل كثيرا ما كانوا علي صلات وثيقة بالاستعمار وركائز له او كانوا خلايا نائمة للنظام يستخدمها في وجة اي قوي سياسية اسلامية تبرز في وجهه والماثل امامنا بعض تصريحات قادتهم التي تسير علي منوال النظام في مهاجمة الاخوان ثم مبايعة جمال مبارك ومؤتمر للرد علي خطاب اوباما ليقول النظام من خلالهم ما لم يستطيع ان يرد به علي اوباما بشأن الأقباط .

والبعض يشير الي تدخل أيادي حكومية في الصراع حول منصب رئيس المجلس الأعلي للطرق الصوفية حيث يقول محمد الشهاوي المتخصص في الطرق الصوفية " بعد مبايعة الشيخ أبو العزايم أنتبه الامن لملف الرجل وعلاقته مع الإيرانيين وهي علاقة تسبب قلق وحساسية مفرطة لذا تم الانقلاب عليه برغم أن ما يقرب من 30 شيخا أستنكروا البيعة الثانية للشيخ القصبجي."

الجديد في الأزمة هو أنها تتزامن مع معارك وإتهامات للصوفية، مرة باتباع أمريكا ومرة بالميول لإيران والشيعة، خاصة بعد أن ذهب الشيخ يوسف القرضاوي إلى أن الطرق الصوفية تمثل الباب الخلفي للشيعة في مصر.

وفي الأعوام الأخيرة صنفت تحليلات بعض المراكز البحثية الأمريكية الصوفية في خانة "الإسلام المعتدل"، ودعت الغرب إلى تشجيعها ورعايتها باعتبارها تنبذ العنف ولا تتبنى التطرف، خاصة أن فرانسيس ريشاردوني سفير الولايات المتحدة السابق كان قد صار دائم التردد على موالد الصوفية في الشمال والجنوب، وعلى رأسها مولد السيد البدوي الذي زاره مرتين متتاليتين في عامي 2006 و 2007، وزار شيخ مشايخ الطرق الصوفية والجازولية سالم الجازولي، وأعرب ريشاردوني عن سعادته بزياراته المتكررة للموالد الصوفية التي تعكس تدين المصريين المعتدل، وسماحة دينهم وكيف أن الإيمان يربط الأمريكي بالمصري ولا يفرقهما.

وحذر د. محمد أبو هاشم شيخ الطريقة الهاشمية الخلوتية الأحمدية وعميد كلية أصول الدين من محاولة استغلال الطرق الصوفية لدخول التشيع إلى مصر، ولفت إلى أن الأمريكيين وجدوا أن الطرق الصوفية تمثل التيار المعتدل في مصر، وأن لهم أتباعا كثيرين، ولذلك يحاولون أن يستثمروا هذا.

وكان محمد الدريني رئيس مجلس رعاية آل البيت، قد زعم في وقت سابق أن هناك تحولات من السنة في مصر إلى المذهب الشيعي، مفصحا عن تقديرات أمنية بوجود حوالي مليون شيعي متسترين وراء 76 طريقة صوفية، بينما التقديرات الأمريكية تصل بعدد الشيعة المصريين بوجه عام إلى حوالي 1% من إجمالي المسلمين في مصر، أي حوالي 750 ألف نسمة فيما يعتبره معظم المراقبين مبالغة كبيرة تزيد عن الواقع بمرات عديدة.

و لا يمكن اغفال التبعية السياسية للصوفية للنظام فبرغم ما حدث في فلسطين من عدوان إسرائيلي أعربت العديد من الطرق الصوفية عن رفضها لتنظيم تظاهرات تضامنية مع أهالي قطاع غزة، معتبرين أنها لا تحقق نتيجة إيجابية وأن التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين يمكن أن يتم من خلال تنظيم الندوات حول قضيتهم، وأكد الشيخ محمد الشبراوي عضو المجلس الأعلى رفضه القاطع لأي مظاهرات يتم تنظيمها من أجل أي قضية إسلامية أو عربية، وقال: "نحن الصوفية، في وقت الشدة والقضايا الجسيمة مثل ما يحدث في غزة نترك القيادة السياسية تعمل وإذا كان لنا دور، فلن يكون بالتحريض على المظاهرات"، وأشار إلى أن "هناك اتفاقا في المجلس على عدم تشجيع التظاهر، خاصة أن هناك أصحاب نفوس ضعيفة قد يستغلون تلك المظاهرات لتخريب البلد أو إحداث ضرر بالأمن العام".

المهم ان السلطة منذ ثورة يوليو 1952 وحتي الآن تنظرإلي الطرق الصوفية باعتبارها القوة النائمة التي يمكن استغلالها في مواجهة التنظيمات الحركية الإسلامية النشطة كالإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى، خاصة أن الصوفيين لا يتدخلون بالسياسة إلا عندما يكون تدخلهم لصالح الدولة.

*** الجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من الوزراء و القيادات السياسية والحزبية التابعة للوطني والقيادات الأمنية متصوفة أو تنتمي لطرق صوفية .