أستقر بنا المقام في الدور الرابع بالسجن العمومي بالمحافظة والدور لا يحوي سوي عنبر واحد تم إخلاؤه لنا أما باقي العنابر في الدور بكامله فهي مخصص لقضايا المخدرات ( تعاطي أو اتجار) ...الجنائيون ينظرون للسياسيين في الغالب نظرة إعجاب واحترام ربما من منطلق أنهم هنا من غير جريمة أو ربما أنهم مناضلون من اجل ما قد يكون وقع عليهم من ظلم أو ربما لأنهم نجوم من المجتمع و أصبحوا في الهوا سوا لكن الذي لا يمكن لأحد أن ينساه أو ينكره أن في السجن رجاله وجدعان كل ما نحتاجه وتمنعه عنا إدارة السجن يأتي به هؤلاء ودون مقابل في الغالب
كنا قد وصلنا إلي مقر السجن عصر الجمعة وقد فتح لنا السجن مخصوص لأنه لا يستقبل سجناء في يوم الجمعة كنا في غاية السعادة لأننا سوف نستقر بعد رحلة العذاب التي قضيناها مابين قسم الشرطة وتحقيقات النيابة والتي استغرقت ثلاتة أيام لا تستنتج منها سوي انك مبعد حتي تنتهي فترة التقدم لانتخابات المحليات صدر بعدها قرار بالحبس علي ذمة التحقيق خمسة عشر يوما والنيابة تأخذ توجهاتها في مثل هذه القضايا من جهاز أمن الدولة في دولة تدعي أنها دولة مؤسسات.العنبر الذي اعد لنا كانت طوله ثمان امتار وعرضه خمسة امتار به دورتان مياة في مدخل العنبر تقتطعان هما والمدخل من الطول ثلاثة امتار لتصبح المساحة المستغلة خمسة وعشرون مترا مربعا لاثنين وعشرون معتقلاا ..اخذنا في رص انفسنا في صفين متوازيين ولم تكن ارضية العنبر مفروشة ولم يكن هناك برش اللهم سوي عدد من البطاطين الميري السوداء سلمت لنا ففضلنا ان نفرشها بأرضية العنبر وكان المحامون قد تمطنوا من ادخال بعض المستلزمات الخاصة لكل فرد من ...كانت هناك شبابيك بطول العنبر عبارة عن قضبان حديدية مغطاة بسلك شبكة تجعلك وانت جالس في العنبر كأنك في مهب الريح وكان لابد من التصرف فيها فكنا نبحث عن كراتين فارغة لدي المساجين لكي نغلقها واستطعنا خلال ايام ان نغلق معظمها .
وفي صباح أول يوم كان العنبر الخاص بنا قد تلقي تحذيرات مشددة من إدارة السجن والتي تتلقاها بالطبع من أمن الدولة بعدم التعامل مع الجنائيين خلال فترة الفسحة التي تبدأ من التاسعة صباحا وحتي الخامسة مساءا وبالطبع هم ليسوا حريصين علينا من الجنائيين ولكن هم دائما يخافون علي الجنائيين من أن يفسد السياسيون عقولهم أو أن يعيدوا ترتيب الأوراق داخل حياتهم....كانت جرعة الشمس ضرورية لنا في مثل هذا الوقت من العام في فناء السجن هالني أكثر ما هالني نسبة الشباب في وسط المساجين ولا انسي أبدا ذلك الشاب الذي كان طالبا في أعدادي هندسة وقد تم القبض علي أبيه بتهمة زراعة نباتات مخدرة وقد كانت الأرض المزروعة مكلفه باسم هذا الطالب فشملته القضية و صدر الحكم بالمؤبد و الآن عمره خمسة وعشرون عاما وهو في انتظار النقض بعد ثمان سنوات من الحبس ولا ذلك الشاب الضرير الذي كان حريصا علي أداء الصلاة في المسجد وهو الذي اعتدي جنسيا علي ذلك الصبي الذي يصطحبه إلي المسجد ولما قاومه الطفل قتله وكانت المصري اليوم قد نشرة قصته... ربما من قبيل حب الاستطلاع أو من دس مباحث السجن تخاطب معنا بعض الجنائيين يسألوننا أسئلة عادية عن بلدنا أو تهمتنا أو وظيفتنا وكنا حريصين أن نجيب إجابات مقتضبة ولكن ما أن انتهي اليوم الأول حتي جاء احد ضباط السجن يعلمنا بان فسحتنا سوف تكون ثلاث ساعاث فقط من التاسعة صباحا وتبدأ فسحة الجنائيين من الثانية عشر حتي الخامسة وذلك نتيجة اختلاطكم بالجنائيين ومخالفة الأوامر كان هذا التوقيت لا يناسبنا وتم التفاوض علي ترحيل هذه الفسحة لتصبح من الثانية بعد الظهر حتي الخامسة بدا الأمر كأنه عقابا لنا لأننا تحدثنا إلي الجنائيين ولكني كنت أري أنها تعليمات يجب أن تنفذ بتلك الآلية.
كان علينا ن نرتب أوراقنا في حبس نعلم انه لن ينتهي قبل انتهاء انتخابات المحليات وربما يطول تم اختيار مسؤل للاتصال الخارجي كي يتعامل مع إدارة السجن ومسؤل تغذيه ومسؤل ثقافي بالإضافة إلي مسؤل عام عن العنبر..كان البرنامج اليومي يبدأ قبل صلاة الفجر بالاستيقاظ لصلاة قيام الليل ثم صلاة الفجر وبعدها أذكار الصباح حتي صلاة الضحي ثم النوم حتي التاسعه والنصف ثم الاستيقاظ لتناول وجبة الافطار وقراءة الصحف حيث سمحت لنا إدارة السجن بشراء صحف الحكومة(الاخبار والاهرام والجمهورية) فقط ثم فترة حره حتي الثانية موعد الفسحة التي كنا نمارس فيها رياضة المشي أو لعب الكرة أو اخذ حمام شمس ثم نصلي العصر في مسجد السجن وهو الفرض الوحيد الذي كنا نصليه في المسجد وبعد أن تنتهي الفسحة في الخامسة تكون وجبة الغذاء وراحة حتي قرب صلاة المغرب ثم اذكار المساء والصلاة التي يليها درس في أحكام التلاوة حتي صلاة العشاء وبعد العشاء يكون تسميع ما تم حفظه من القرآن ثم تنطلق بعد ذلك فترة السمر والترويح حتي الخلود إلي النوم كانت الأيام تمر سراعا في ظل هذا البرنامج اليومي الذي كنا نحرص علي تنفيذه...كانت وجبات السجن من الجبن والحلوي هي التي نستفيد منها فقط فكثيرا ما تاقت النفوس إلي أكل العدس ولكن جميع الأكل المطهي يكون شايط لا تتحمل رائحته حتي الأرز شايط أيضا وقطعة اللحم التي توزع مرتين في الأسبوع نية فقليل من الرقابة ومن الضمير يجعل هذه المأكولات التي تنفق عليها الدولة الكثير تعود بالنفع علي المساجين بدلا من أن تلقي في الزبالة ليأخذها بعض العاملين في السجن لتكون طعاما للطيور والماشية ولكن يبدوا أن المسألة تدار بهذه الكيفية فجميع المساجين يعتمدون علي الزيارات التي تأتي من الأهل كانت إدارة السجن تشتري لنا الأدوية من أموالنا المودعة بالأمانات بزيادة 40% وتبيع لنا اللحوم بواقع زيادة 50% يضيف هذا إلي الاستنتاج السابق أن سوء إعداد الطعام متعمد وليس من قبيل الإهمال.
الصعيد كم مهمل بالنسبة للدولة ويعاني من تفرقة عنصرية وسؤ معاملة حتي برغم ما تدعية الجكومة من اهتمامها بالصعيد بعد احداث العنف التي جرت في التسعينيات من القرن الماضي خبرنا من قدر لهم ان اعتقلوا في مرات سابقة وكان فترة اعتقالهم في سجون بمحافظات الشمال ان الزيارة مثلا كانت تتعدي الثلاث ساعات وانه كان يسمح للزوجة والابناء وان مرافق السجون افضل بكثير من مثيلاتها بالصعيد اما نحن فكان لا يسمح الا لزوجاتنا فقط بالزيارة وكن يحضرن من الثامنة صباحا لا يدخلن لمقابلتنا الا بعد الواحدة ظهرا ولمدة ربع ساعة فقط يقف فيها فوق راسك عدد كبير من الضباط والجنود هذه المعاملة لا يمكن ان تنفصل عن مجمل ما يتعرض له اهل الصعيد من معاملة سيئة من جميع وزاراة الدولة وبذلك لا يبدو غريبا ان يكون حجم العنف بالصعيد هائلا فالمواطن مقهور حتي من اخية المواطن الذي يعامل معه في أي ادارة حكومية...وحتي جمعيات حقوق الانسان لا تجد لها فرعا في الصعيد بكامله ويكتفي مسؤليها بالجلوس امام شاشاة التلفاز ليتحدثوا وكأنهم مبعوثي العناية الآلهية وهم في الاصل يأكلون عيش من وراء هذه الوجاهة .